ما الذي يتطلَّبه الأمر للفوز في التعامل مع الناس؟
هل ينبغي أن يولد الفرد بشخصية انبساطية منفتحة، أو بحس حدسي للنجاح في العلاقات؟
كل هذه الأسئلة وأكثر يجيب عنها هذا الكتاب للمؤلف العظيم " جون سي ماكسويل "
1- هل نحن مستعدون لبناء العلاقات ؟
ليس كل شخص لديه المهارات لبدء وبناء علاقات صحية قوية، فلقد نشأ العديد من الأشخاص في منازل مضطربة ولم تكن هناك أبدًا علاقات إيجابية يقتدون بها، وهناك مجموعة أسس تجعل الناس مستعدة لبناء علاقة، ومن هذه الأسس: مبدأ العدسة، ويقول إن شخصيتك هي التي تحدِّد الطريقة التي ترى بها الآخرين، وأن كل لمحة من شخصيتك، وكل تجربة قمت بخوضها تكون عدستك، فإن كنت شخصًا يثق بالآخرين، فسترى الآخرين جديرين بالثقة، وإن كنت شخصًا يميل إلى النقد، فسترى الآخرين نزَّاعين إلى النقد، ولذا فغالبًا ما تكون وجهة نظرك هي المشكلة، وعندما تهتمُّ بالنظر إلى نفسك أولًا وتغييرها، فستبدأ برؤية الآخرين من منظور مختلف.
وهناك مبدأ المرآة، فالأشخاص الذين لا يدركون من هم، وما الذي يفعلونه، غالبًا ما يدمِّرون علاقاتهم، والطريقة الوحيدة لتغيير ذلك هو أن ننظر إلى المرآة ونبدأ بفحص أنفسنا أولًا، فأول شخص يجب أن تعرفه وتنسجم معه هو ذاتك، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات في علاقاتهم يميلون دائمًا إلى النظر لأي شخص بخلاف أنفسهم باعتباره سبب المشكلة، ولذا يجب أن نتوقَّف عن لوم الآخرين، وننظر إلى أنفسنا ونبدأ بالعمل على تحسينها، وهناك مبدأ الألم، فإن كان هنالك شخص يجرحك دائمًا اعلم بأنه مجروح وينزف من الداخل، ولذا حاول ألَّا تزيد الأمر سوءًا، وتجنَّب أخذ الأمر على محمل شخصي، ولا تنظر إلى الشخص بقدر نظرك إلى المشكلة، ولا تستسلم، بل حاول مساعدته قدر الإمكان.
وهناك مبدأ المطرقة، فبعض الأشخاص لا ينظرون إلى الصورة العامة ككل، وعندما تحدث مشكلة ما يبدؤون بالطرق على الآخرين، وزيادة المشكلة عليهم، ولذا حاول دائمًا أن تنصت جيدًا، وتطرح الأسئلة قبل الرد، ولا تسمح للموقف بأن يُصبح أكثر أهمية من العلاقة، واعترف بالأخطاء واطلب الصفح، وهناك مبدأ المصعد، فنحن يمكننا الارتقاء بالآخرين إلى أعلى، أو الانحدار بهم إلى أسفل من خلال علاقاتنا معهم، وفي العلاقات من السهل جدًّا أن تأخذ، ولكن من الصعب كثيرًا أن تعطي، ولذا حاول أن تعرف الفارق بين الإيذاء والمساعدة، واعلم بأن الأشياء البسيطة اللطيفة تترك أثرًا طيبًا يرفع علاقتك إلى أعلى.
2- هل نحن مستعدون للتركيز على الآخرين ؟
كل البشر لديهم رغبة في الارتباط بغيرهم من الناس، والحاجة إلى الارتباط تكون مدفوعة أحيانًا بالرغبة في الحب، وقد تكون نابعة من مشاعر الوحدة، أو الحاجة إلى القبول والانتماء، وعندما تكفُّ عن الاهتمام الشديد بنفسك، وتبدأ في النظر إلى الآخرين، فإنك تبني جسرًا إليهم، وهناك عدة أسس للتركيز على الآخرين منها، مبدأ الصورة الكبيرة، فعندما يتعلَّق الأمر بالفوز مع الناس، يبدأ كل شيء بالقدرة على التفكير في أناس غير أنفسنا، وليس الجميع يدركون الصورة الكبيرة ويتخلَّون عن أنانيتهم، ولذا فإن الأشخاص الذين يظلون متمركزين حول أنفسهم، سيعانون دائمًا في الانسجام مع الآخرين، وهم بحاجة إلى الخروج من عالمهم، والنظر إلى الآخرين.
وهناك مبدأ التبادل، فبدلًا من وضع الآخرين في مكانك، ينبغي أن تضع نفسك في مكانهم، وتحاول رؤية الأمور من وجهة نظرهم، ويتعلَّق الفشل في العلاقات بعجزنا عن رؤية الأمور من منظور شخص آخر، فكم من مرة وجدت نفسك في خلاف مع شخص آخر لأنك ترى الأمور بطريقة، وهو يراها بطريقة أخرى، ولذا حاول دائمًا وضع نفسك مكان الآخرين، وسؤالهم ما الذي كانوا سيفعلُونه لو كانوا في نفس موقفك، وهناك مبدأ التعلم، فكل شخص نقابله يمكنه أن يعلمنا شيئًا، فنحن يمكننا أن نتعلَّم في أماكن غير محتملة، ومن أشخاص غير محتملين، ولذا حاول دائمًا الابتعاد عن الغطرسة، والتقليل من قيمة الآخرين.
وهناك مبدأ الكاريزما، فالناس يهتمون بالشخص الذي يُبدي اهتمامًا بهم، ولجعل الناس تحبك حاول أن يكون اهتمامك بهم صادقًا، وابتسم في وجوههم، واعمل على تذكُّر أسمائهم، وعامل الناس بالطريقة التي تحب أن يعاملوك بها، كما أن الإيمان بأفضل ما في الناس، عادةً ما يستخرج أفضل ما لديهم، وكل واحد منا يجب أن يكون واقعيًّا عند النظر إلى الآخرين، فليس هناك أحد كامل، وهناك مبدأ المواجهة، ويقول إن الاهتمام بالناس ينبغي أن يسبق مواجهتهم، وفي بعض العلاقات يكون الصراع لا مفر منه، وعلى الرغم من أن المواجهة ستكون صعبة، فإن لو أظهرت اهتمامك بصدق، وقابلت الشخص وجهًا لوجه، ووضعت حدًّا للمشكلة، حينها ستتحوَّل المواجهة إلى محبة.
3- هل أنت مؤهل لبناء ثقة متبادلة ؟
هل تساءلتم من قبل لماذا تنهار الكثير من العلاقات؟ فبعض الزيجات التي تبدأ بعاطفة قوية جياشة تنتهي نهاية حزينة مريرة، وعلاقات الصداقة التي يأمل أصحابها أن تستمر طول العمر تتداعى وتموت، ويعدُّ السبب وراء كل ذلك هو الثقة المفقودة، وهناك عدة أسس تمكِّننا من بناء علاقات ثقة متبادلة تستمر ما دامت الحياة، ومن هذه الأسس: مبدأ الأساس المتين، فالثقة هي أساس أي علاقة، وبناء الثقة يشبه تشييد منزل، فهو يستغرق وقتًا، ولكن لا بد من القيام به قطعة وراء قطعة، وعندما يكون الأساس متينًا فإن فرص تحمُّل وصمود ما يتم بناؤه فوقه تزيد كثيرًا، والطريقة الوحيدة لجعل إنسان آخر جديرًا بالثقة، هو أن تثق به.
وهناك مبدأ الموقف، فلا تسمح للموقف أن يكون أكثر أهمية من العلاقة، فنحن لا نختار عائلتنا، ولكننا نختار كيف نعامل أفراد عائلتنا، ولجعل الموقف لا يطغى على العلاقة نحن بحاجة إلى وضع الموقف في حجمه المناسب، والنظر إلى الصورة الكبيرة الجيدة، وإظهار حبك غير المشروط في المواقف الصعبة، وهناك مبدأ بوب، و"بوب" هذا اختصار للشخص الذي يعاني مشاكل مع الجميع، ويشتكي منهم، في حين كونه هو بحد ذاته المشكلة، وإن كان لديك شخص كهذا في حياتك، حاول أن تظهر اهتمامك به بغض النظر عن أفعاله معك، وإن كنت أنت "بوب"، فحاول أن ترى الجانب الإيجابي في كل موقف تواجهه، وفكِّر كثيرًا قبل أن تتكلَّم أو تشكو أو تتذمَّر من أحدهم.
وهناك مبدأ الانفتاح، ويقول إن شعورنا بالارتياح تجاه أنفسنا، يساعد الآخرين على الشعور بالارتياح معنا، ولجعل الآخرين ينفتِحون لنا، يجب أن نقدِّر الاختلافات بين الناس، ونعاملهم بدفء وصدق، ونفهم نقاط ضعفهم البشرية، ولا نستخدمها ضدهم، وهناك مبدأ حفرة الوقاية، فعندما تستعد لخوض معركة كبيرة، احفر حفرة كبيرة بما يكفي لاحتواء صديق، فنحن نواجه أنواعًا عديدة من المعارك في الحياة، و"حفر الوقاية" التي نقيم فيها تأخذ الكثير من الأشكال، والمنزل هو حفرة الوقاية الأكثر أهمية، ولذا ينبغي أن يكون المنزل دائمًا ملاذًا آمنًا يضم أناسًا نستطيع الاعتماد عليهم.
4- هل نحن مستعدون للاستثمار في الآخرين ؟
كثير من الناس يستثمرون في العديد من الأشياء الزائلة، وينسون الشيء الدائم الذي يمكنهم الاستثمار فيه وهو العلاقات مع البشر، فالعِلاقات تشبه أي شيء آخر، والعائِد الذي تحصل عليه منها يعتمد على ما استثمرته فيها، وأفضل العلاقات دائمًا ما تكون نتيجة عطاء غير أناني، وللاستِثمار في العلاقات مع البشر هناك عدة مبادئ، أولها مبدأ الرعاية، فجميع العلاقات مثل النباتات تحتاج إلى رعاية وريٍّ بالماء باستمرار، وكل علاقة لها طابع مختلف، والمحافظة على أي علاقة تتطلَّب الالتزام، والتواصل، وبناء الذكريات، والحرص على جعل أفراد عائلتك يعرفون مدى اهتمامك بهم كلما سنحت الفرصة لذلك.
وثانيها مبدأ الـ101 بالمائة، ويعني أنه يجب عليك العثور على أرضية مشتركة، وهي "الـ1 بالمائة" ومنحها مائة بالمائة من جهدك، فأحيانًا تكون عملية بناء العلاقات عملية شاقة، ولكي ينشأ الارتباط يحتاج الناس إلى أرضية مشتركة، وكلما كانت الاختلافات كبيرة زادت أهمية التركيز على الشيء الذي يتفقون عليه، وزاد الجهد الذي يحتاجون إلى منحه لهذا الشيء، وهو ليس بالأمر السهل ولكن الفوائد التي تحصل عليها قد تكون عظيمة للغاية، ومن هذه الفوائد: تقليل احتمال كسب الأعداء، ومنع الصراعات غير الضرورية، وثالثها مبدأ الصبر، ويتفق الجميع على أن الصبر صفة جيدة، ولتنمية الصبر نحن بحاجة إلى جعل الصبر أولوية نستحق اكتسابها لأن كل علاقة تحتاج إلى الصبر.
ورابعها مبدأ الاحتفال، فالاختبار الحقيقي للعلاقات ليس هو فقط مدى إخلاصنا عندما يخفق الأصدقاء، ولكن أيضًا مدى سعادتنا عندما ينجحون، ونحن بحاجة إلى شخص بجوارنا في المواقف السعيدة مثل المواقف السيئة، وعندما لا يحتفل معك أحد تتضاءل بهجة الإنجاز كثيرًا، ولذا حاول أن تكون الشخص الذي يُسارع وقت الفرح ووقت الضيق، واحتفل بالنجاحات التي لم يرَها الآخرون بعد، وإن كنت تريد من الآخرين تحقيق النجاح يجب أن تشجِّعهم وتحتفل معهم بنجاحاتهم، وخامسها مبدأ الطريق إلى أعلى، فنحن ننتقل إلى مستويات أعلى عندما نعامل الآخرين بطريقة أفضل من التي يعامِلوننا بها، ولفعل ذلك يجب أن تدرك أن من يعاملون الآخرين بشكل أفضل، ولا يردُّون الإساءة بالإساءة ليسوا ضحايا.
5- كيفية إنشاء علاقات يفوز فيها الجميع
إذا كنا صادقين في العلاقات، فسنعْترف أن هناك بعض الأشخاص الذين نرغب في قضاء الوقت معهم، وآخرين لا نرغب في قضاء الوقت معهم، وما يميِّز تلك العلاقات التي نفضلها هو التعاون، فهي علاقات تضيف القيمة لكلا الطرفين، وهذا عائد جيد، وجميع العلاقات يمكن أن تكون علاقات فوز مشترك، وذلك عندما يدخل كلا الطرفين فيها بعقلية الاستثمار، فبعد الارتباط وبناء الثقة المتبادلة تكون النتيجة هي الفوز، وهي علاقات يمكن إقامتها في جميع مجالات الحياة، وفي جميع أنواع العلاقات، فعند محافظة كلا الطرفين على موقف عطاء، والوفاء باحتياج كل منهما إلى الآخر، مثل تقديم حب غير مشروط، أو تقديم أحدهما النصح والإرشاد، والآخر العرفان بالجميل، عندئذٍ تصبح العلاقة شيئًا مميزًا بحق.
ولإنشَاء علاقة فوز مشترك هناك عدة مبادئ ينبغي التعرف إليها، ومنها: مبدأ الارتداد، فعندما نساعد الآخرين نقوم بمساعدة أنفسنا، فكل علاقة تحتاج إلى رصيد من الإيداع قبل قيامك بالسحب منها، وعندما تكون دوافع الناس قوية وصافية، ويرغبون بصدق في إضافة القيمة إلى الناس، فسيحصلون على بعض الفوائد جرَّاء ذلك، وربما لن يحصلوا عليها فورًا، ولكنهم سيدركون أثرها مع مرور الوقت، مثل "آني سوليفان" التي ساعدت "هيلين كيلر" (الفتاة الصماء العمياء)، ومع مرور الوقت عندما مرضت "آني" لم تجد أحدًا بجوارها لمساعدتها سوى "هيلين"، وهناك مبدأ الصداقة، والذي يقول إنه إذا تساوت جميع العوامل، فسيُفضِّل الناس التعامل مع الأشخاص الذين يحبونهم؛ حتى وإن لم تتساوَ العوامل فسيظل الناس يفضِّلون ذلك، وأيًّا كان نوع المجال أو العمل الذي تمارسه، فإن مبدأ الصداقة يمكنه مساعدتك لأن الناس تميل أكثر للتعامل مع من يعاملهم كأصدقاء وليس كموظفين.
وهناك مبدأ الشراكة، فالتعاون مع شخص آخر يزيد من احتمالات فوز كلا الشخصين، فعندما نتشارك مع أحد لا نخسر شيئًا، مثل الشمعة التي تقوم بإضاءة شمعة أخرى، فهي لم تخسر شيئًا، بقدر ما ساعدت في جعل الغرفة منيرة أكثر، وهناك مبدأ الإشباع، إذا تكون متعة وبهجة الوجود مع من تحب كافية، ولذا حاول دائمًا أن تستمتع بصحبة من تحب، وجعله يستمتع معك أيضًا.
No comments:
Post a Comment